troth
عدد المساهمات : 4 تاريخ التسجيل : 10/01/2012
| موضوع: اداب مجالس المسلمين الثلاثاء يناير 10, 2012 9:20 pm | |
| [ color=red]
مما لا شك فيه أن العبد المسلم مطالب بالحفاظ على وقته الثمين ، فهو مسؤول عن لحظات عمره ووقته ، كيف وعبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما يروي عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن شبابه فيم أبلاه ، وعن عمره فيم أفناه ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه ؟ وعن علمه ماذا عمل به " . رواه الترمذي ، وقد شرحه الإمام ابن القيم الجوزية شرحاً وافياً في كتابه القيم : " عدة الصابرين " .
ولا يستوي من أضاع عمره وراء الشهوة والنزوة مع ذلك العبد الموحد الذي يكدح في سبيل الطاعة والدعوة ، قال تعالى : أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ . فالإعراض عن اللغو من الصفات الحميدة للمؤمنين ، قال تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ .
قال الإمام ابن كثير ، رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : " وقوله : وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، أي : عن الباطل وهو يشمل الشرك كما قال بعضهم ، والمعاصي كما قاله آخرون ، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال ، كما قال تبارك وتعالى : وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا " .
فليحذر العبد الموحد من تضيع وقته وعمره فيما لا فائدة منه ولا طائل من ورائه ، لأنه مسؤول عن أقواله وأفعاله ، قال تعالى : مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ . وقال عز وجل : يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من القيل والقال فقال من حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " . متفق عليه .
قال النووي ، رحمه الله تعالى : " فهذا الحديث المتفق على صحته نص صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً ، وهو الذي ظهرت له مصلحته ، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم " .
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تأديب أصحابه وتربيتهم أحسن تربية ، رضي الله عنهم في كل الأحوال ، وما خرج صلى الله عليه وسلم من هذه الدنيا إلا وقد أتم الله به الدين ، فقد ثبت أن يهودياً تكلم مع سلمان الفارسي ، رضي الله عنه ، فقال له : " علمكم نبيكم كل شي حتى الخراءة - أي : حتى آداب جلوس الإنسان على الخراءة - " ، فقال له سلمان ، رضي الله عنه : " أجل ، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين ، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار " . رواه مسلم
وقال أبو ذر ، رضي الله عنه " توفي رسول الله صلى عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً " . رواه الإمام أحمد
ومن هذه الآداب التي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليمها لأصحابه الكرام ، رضي الله عنه ، وأمرنا بها : آداب المجالس ، فمجالس المسلمين لها آداب خاصة يجب علينا مراعاتها والعمل والقيام بها على أحسن وجه لتسود بذلك روابط المحبة والألفة بين المسلمين ، وهي أدب رفيع يدل على حياء صاحبه وتربيته وعفته ونزاهة نفسه وتكريمها عن مالا يجب أن يراه عليه الخلق ، فمع تقدم هذه الحضارة ، فما زال هناك من يدخل المجالس دون سلام أو يجلس دون كرامة ، أو يقتحم مجلس دون إعلام واستئذان ، ومن هذه الآداب الكريمة النبوية : • الاستئذان قبل الدخول والبدء بتحية الإسلام : ويعني طلب الإذن لدخول مجلس لا يملكه المستأذن ، قال الله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . • صفة الإستئذان : قال الله تعالى : فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً . • عن رجل من بني عامر : أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال : أألج ، فقال صلى الله عليه وسلم لخادمه : " أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له : " قل السلام عليكم أأدخل ، فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم أأدخل ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل " . رواه أبو داوود ، وصححه الألباني . • صفة وقوف المستأذن : عن سعد بن عبادة ، رضي الله عنه قال : جاء رجل فقام على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن مستقبل الباب ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هكذا عنك فإنما الاستئذان من أجل البصر " ، رواه أبو داوود ، وصححه الألباني . • عن عبدالله بن بسر ، رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول : " السلام عليكم " . رواه أبو داوود ، وصححه الألباني . فائدة : عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه أنه قال : " إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافر " . رواه البخاري . • إخبار المستأذن عن إسمه : عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دَيْن كان على أبي فدققت الباب فقال : " من ذا ؟ فقلت أنا ، فقال : أنا أنا كأنه كرهها " متفق عليه . • الإستئذان ثلاثاً : عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أستأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع " . متفق عليه . فائدة : قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في " التمهيد " : " قال بعضهم : المرة الأولى من الاستئذان : استئذان ، والمرة الثانية : مشورة ، هل يؤذن في الدخول أم لا ؟ ، والثالثة : علامة الرجوع ولا يزيد على الثلاث " . • المصافحة : عن البراء بن عازب ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا " . رواه أبو داوود ، وصححه الألباني . • النهي عن الإنحاء والتقبيل : عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه قال : " قال رجل : يا رسول الله الرجل منا يلقي أخاه أو صديقه أينحني له ؟ قال : لا ، قال : أفيلتزمه ويقبله ؟ قال لا قال : أفياخذ بيده ويصافحه ؟ قال : نعم " . رواه الترمذي ، وصححه الألباني . • بدء المجلس وختمه بالسلام : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ثم إذا قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة " . رواه الترمذي ، وأبو داوود . • الأمر بإعمار المجالس بذكر الله عز وجل : عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة " . رواه الإمام أحمد . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة : أي نقصاً وحسرة " ، رواه النسائي ، وأبو داود ، والترمذي . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار ، وكان لهم حسرة " . رواه أبو داوود . فائدة : • (أ) تلاوة القرآن الكريم : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، وما أجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " . رواه مسلم . • (ب) كثرة الإستغفار : عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : " كان يعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم : " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " . رواه الترمذي وابن ماجه . • (ت) التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد لله ، وسؤال الجنة والإستعاذة من النار ، وأنها سبب غفران الذنوب : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم ، قال : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، قال : فيسألهم ربهم ، وهو أعلم منهم ما يقول عبادي قالوا : يقولون : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول : هل رأوني ، قال فيقولون : لا والله ما رأوك ، قال فيقول : وكيف لو رأوني ، قال يقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وتحميداً وأكثر لك تسبيحاً ، قال يقول : فما يسألوني ، قال : يسألونك الجنة ، قال يقول : وهل رأوها ، قال يقولون : لا والله يا رب ما رأوها ، قال يقول : فكيف لو أنهم رأوها ، قال يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة ، قال : فمم يتعوذون ، قال يقولون : من النار ، قال يقول : وهل رأوها ، قال يقولون : لا والله يا رب ما رأوها ، قال يقول : فكيف لو رأوها ، قال يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة ، قال فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم ، قال يقول : ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة ، قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم " . رواه الشيخان . • الأمر بمجالسة أهل الصلاح والتقى : عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة " . رواه الشيخان • وعن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما استخلف خليفة إلا له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله " . رواه البخاري . • وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " . رواه الترمذي ، وأبو داوود . • الإهتمام بمجالس الصالحين وضعفاء المسلمين : قال الله تعالى : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ َيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا . عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي " . رواه أبو داوود ، وحسنه الألباني . • الإهتمام بالنظافة والتطيب : عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا ، أو فليعتزل مسجدنا " ، رواة الشيخان . • الأمر بحسن المجاملة والمعاشرة : قال الله تعالى : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ . • رفع الأذى عن المجلس وأهله : عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه قال : مر رجل في المسجد بسهام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمسك بنصالها " رواه الشيخان . • وعن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل فليأخذ بنصالها ، ثم ليأخذ بنصالها ، ثم ليأخذ بنصالها " رواه مسلم . • النهي عن الجلوس في طرقات الناس : عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والجلوس بالطرقات ، قالوا يا رسول الله : لا بد من مجالسنا نتحدث فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه ، قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ، قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " . رواه الشيخان . • النهي عن الجلوس بين الظل والشمس : عن أبن بريدة عن أبيه ، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : " نهى أن يقعد بين الظل والشمس " . رواه ابن ماجه . • الجلوس حيث ينتهي فيه المجلس : عن جابر بن سمره ، رضى الله عنه قال : " كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي " . رواه أبو داوود ، وأحمد ، والترمذي ، وصححه الألباني . • إفساح المجالس ، والانصراف عنها بعد انقضاء الحاجة : قال الله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . • المجلس أحق لمن جلس فيه أولاً : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به " . رواه مسلم • قال الإمام النووي شارحاً لهذا الحديث : " قال أصحابنا : هذا الحديث في من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً ، ثم فارقه ليعود ، بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلاً يسيرًا ثم يعود ، لم يبطل اختصاصه ، بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة . فإن كان قعد فيه غيره فله أن يقيمه ، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث ، هذا هو الصحيح عند أصحابنا ، وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول . وقال بعض العلماء : هذا مستحب ولا يجب وهو مذهب مالك ، والصواب الأول " . • النهي عن التفريق بين الجالسين : عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل للرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما " . رواه الترمذي ، وأبو داوود . • النهي عن إقامة جالس من مجلسه ليجلس فيه غيره : عن عبد الله بن عمر ، رضى الله عنهما ، أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا " . رواه الشيخان . • النهي عن تناجي الإثنين دون الثالث : عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس أجل أن يحزنه – أي : يدخل الحزن على الآخر – " . رواه الشيخان . قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث : " في هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث وكذا ثلاثة بحضرة واحد ، وهو نهي تحريم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن ، ومذهب ابن عمر ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر ، وأما إذا كانوا أربعة فتناجي اثنان دون اثنين فلا بأس بالإجماع " . • النهي عن مقاطعة المتحدث : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي ، فقال : متى الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث ، فقال بعض القوم : سمع ما قال فكره ما قال ، وقال بعضهم : بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه ، قال : أين أراه السائل عن الساعة ، قال ها أنا يا رسول الله ، قال : " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، قال : كيف إضاعتها ؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " . رواه البخاري . • النهي عن إتكاء الجالس على يده اليسرى خلف ظهره : عن عمر بن الشريد عن الشريد بن سويد ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا أي : وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي فقال : " لا تقعد قعدة المغضوب عليهم " ، رواه أبو داود . • النهي عن الجدال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المرء وإن كان محقاً " . رواه أبو داوود ، وصححه الألباني . • النهي عن التكلف في الكلام : عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ، قالوا يا رسول الله قد علمنا : الثرثارون والمتشدقون ، فما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون " . رواه الترمذي ، وصححه الألباني . • النهي عن كثرة الضحك : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكثروا من الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب " . رواه ابن ماجه . • النهي عن النظر في المجلس دون إذن : عن سهل بن سعد ، رضي الله عنه قال : اطلع رجل من جُحرٍ في حُجَر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدري - أي : مشط - يحك به رأسه ، فقال : " لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك ، إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر " . متفق عليه . • النهي عن مجالسة الكذاب : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع " رواه مسلم • قال الإمام النووي ، رحمه الله تعالى : " وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن ، وقد تقدم أن مذهب أهل الحق أن الكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ولا يشترط فيه التعمد لكن التعمد شرط في كونه إثماً والله أعلم ". • النهي عن إفشاء ما بين الزوجين من المعاشرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى أمرته وتفضي إليه ثم ينشر سرهما " رواه مسلم . • النهي عن التنصت على الجالسين : عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الأنك يوم القيامة ، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها ، وليس بنافخ " . رواه البخاري . • الأمر بالتحول عن مجلسه إذا حضره النعاس : عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره " . رواه الترمذي ، وأبو داوود . • الأمر بالإستئذان في الإنصراف : عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله رضي الله عنه :" إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده فلا يقومن حتى يستأذنه " . رواه الديلمي . • ما يقال في نهاية المجلس : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك " . رواه الترمذي • عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما قال : قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه : " اللهم أقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا ، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، وأجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وأنصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا " . رواه الترمذي . • النهي عن مجالسة أهل البدع : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني فرطكم على الحوض ، من مر بي شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً ، وليردن علي أقوام ، أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ، فأقول : إنهم مني فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً ، لمن بدل بعدي " . • عن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يا رب مني ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم " رواه البخاري . • عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنه قال : " ما في الأرض قوم أبغض إلي من أن يجيئوني فيخاصموني من القدرية في القدر ، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدر الله وأن الله عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " . • قال ابن عبد البر ، رحمه الله تعالى : " كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء ، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق المعلنون بالكبائر " . • وقال القرطبي ، رحمه الله تعالى : " إن أشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين ، وفارق سبيلهم ، كالخوارج على اختلاف فرقها ، والروافض على تباين ضلالها ، والمعتزلة على أصناف أهوائها ، فهؤلاء كلهم مبدّلون ، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم ، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي ، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع " . • وقال أيضاً : " استدل مالك من هذه الآية على معاداة القدرية ، وترك مجالستهم " . • وقال ابن عون ، رحمه الله تعالى قال : " لم يكن قوم أبغض إلى محمد - يعني : ابن سيرين من قوم أحدثوا في هذا القدر ما أحدثوا " . • وقال شعبة ، رحمه الله تعالى : " كان سفيان الثوري يبغض أهل الأهواء وينهى عن مجالستهم أشد النهي " . • وقال أشهب عن مالك : " لا تجالس القدرية وعادهم في الله لقوله تعالى : لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " . • وقال البيهقي يروي عن الشافعي ، رحمهم الله تعالى : " كان الشافعي شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم " . • وقال الإمام أحمد ، رحمه الله تعالى: " إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه " . • وقال ابن المبارك ، رحمه الله تعالى : " اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي " . • وقال الفضيل بن عياض ، رحمه الله تعالى : " من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه " . • وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ، رحمه الله تعالى ضمن تحذيره من بعض الضالين من أهل البـدع مـن جهـة عمان ، كانوا قد كتبوا أوراقاً للتلبيس على عوام المسلمين : " ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل التشديد في هجرهم وإهمالهم ، وترك جدالهم واطّراح كلامهم ، والتباعد عنهم حسب الإمكان ، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم " . " مجموعة الرسائل والمسائل النجدية " : (3/111) . • وقال الشيخ سليمان بن سحمان ، رحمه الله تعالى في كتابه : " كشف الشبهتين " : (ص 37) : " وأعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من أمثاله من السلف في معاداة أهل البدع والضلالة ضلالة لا تخرج من الملة ، لكنهم شددوا في ذلك وحذّروا منه لأمرين: الأول : غلظ البدعة في الدين في نفسها ، فهي عندهم أجلّ من الكبائر ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون أهل الكبائر كما تجد في قلوب النّاس اليوم أن الرافضي عندهم ولو كان عالماً عابداً أبغض وأشدّ ذنباً من السنيّ المجاهر بالكبائر . والأمر الثاني : أن البدعة تجر إلى الردّة الصريحة كما وجد في كثير من أهل البدع " . • وقال الإمام محمد بن صالح العثيمين ، رحمه الله تعالى : " والمراد بهجران أهل البدع الابتعاد عنهم وترك محبتهم ، وموالاتهم والسلام عليهم وزيارتهم وعيادتهم ونحو ذلك، وهجران أهل البدع واجب لقوله تعالى : لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك " . " شرح لمعة الاعتقاد " : (ص 110) . • واقوال أهل العلم في التحذير من مجالسة ومصاحبة أهل البدع والضلال كثيرة جداً ، لا يسعنا حصرها في هذه العجالة . • ومجالس الموحدين يجب أن تصان عن المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب والسخرية والمزاح الثقيل ، والوقوع في الأعراض والموبقات . قال الإمام محمد بن صالح العثيمين ، رحمه الله تعالى في خطبة له بعنوان : " تحريم الغيبة والنميمية " : " فالغيبة يقوم الرجل فيذكر أخاه بما يكره أن يذكر به من عمل وصفة ، فتجد أكبر همه في المجالس أن يعترض عباد الله كأن ما وكل بنشر معايبهم وتتبع عوراتهم ، ومن تسلط على نشر عيوب الناس وتتبع عوراتهم سلط الله عليه من ينشر عيوبه ويتتبع عورته ، تجده يقول فلان فيه كذا وفلان فيه كذا يصفهم بالعيب إما بالفسق أو بالكذب أو بالطول أو بالقصر أو بالسمن أو بالهزال أو بما أشبه ذلك مما يكره الإنسان أن يوصف به ، ولو فتش هذا القائل عن نفسه لوجد نفسه أكثر الناس عيوباً وأسوأهم أخلاقاً وأضعفهم أمانة ، إن هذا الرجل المسلط على عباد الله لمشؤوم على نفسه ومشؤوم على جلسائه فهو مشؤوم على نفسه حيث قادها إلى الشر والبغي ومشؤوم على جلسائه لأن جليسه إذا لم ينكر عليه صار شريكاً له في الإثم وإن لم يقل شيئاً " . فكيف بتلك المجالس التي تذكر فيها الفواحش والآثام ، وتفشى فيها الأسرار دون نكير ؟ فكيف بمجالس أهل البدع والضلال ، والتي فيها غمز ولمز بأولي الأمر والعلماء ، فالواجب على المسلم هجر مثل تلك المجالس بعد مناصحة أهلها . والموحد لو ألقى نظرة سريعة على مجالس المسلمين اليوم لوجدها للأسف وبكل صراحة ووضوح عبارة عن مجالس دنيوية تشتغل باشتغال بالدنيا وما فيها ، فضلا عن الاشتغال بالمحرمات والآثام وكبار الذنوب ، فهم إن كانوا تجاراً فإنك ترى أخبار المقاولات والبضائع والأسعار والبيع والشراء والزبائن ومشاكل العمل هذا أمر طاغ على جلساتهم ، وإذا تأملت في مجالس الموظفين لوجدت أمر الدوام ومشاكل المراجعين وأخبار الصحف والأنظمة والترفيه والبدلات والتنقلات والعلاوات والانتدابات هي الشغل الشاغل للجالسين فيها ، وإذا تأملت في مجالس طلاب المدارس والجامعات لوجدتهم مشتغلون بتفاصيل الدراسة والأسئلة والامتحانات والدرجات والشهادات والتخرج والوظائف ، وإذا تأملت في مجالس النساء وجدتهن مشتغلين بالموضات والملابس والأكلات والزيجات والحفلات والأعراس وحال الأسواق والمحلات ، ناهيك عن مجالس أهل البدع والأهواء والضلال ، طعن بشرع الله واسماءه وصفاته واستهزاء بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وردها أحياناً ، وتحقير لأهل العلم والفضل ، وهتك لأعراض ولاة الأمر ، وتمجيد لسفهاء الأحلام والمميعين من الذي تشيخوا بالباطل ولبسوا على العوام والمرهقين بدعهم وضلالهم وجهلهم ، والعياذ بالله . فأنشغل صنف من الناس بمجالس أهل البدع حتى قست قلوبهم ، وأحوالهم ومجالسهم ومنتدياتهم : فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ . قيام الجالس في المجالس وهذه بدعة من بدع المشركين وأهل الكتاب ينبغي التحذير منها وهي مما نلاحظه يومياً من فعل بعض المسلمين في المجالس من القيام لكل داخل ، اللهم إلا إذا كان قادماً من سفر أو صاحب منزل في منزله ، فيحسن به أن يقوم لضيوفه ، ويجلسهم أحسن المجالس ، ويكرمهم أحسن الإكرام . وقد ورد النهي عن ذلك ، والتشديد فيه ، كما جاء عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلينا وراءه وهو قاعد ، وأبو بكر يُسمع الناس تكبيره ، فالتفت إلينا فرآنا قياماً ، فأشار إلينا فقعدنا ، فصليا بصلاته قعوداً ، فلما سلم ، قال : " إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم ، يقومون على ملوكهم وهم قعود ، فلا تفعلوا " . رواه مسلم . وقد رواه ابن ماجه في : " السنن " بإسناد مسلم ، ورواه البخاري في : " الأدب المفرد " عن عبد الله بن صالح ، قال حدثني الليث ، قال حدثني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، فذكره بمثله ، وإسناده حسن . وقال الإمام البخاري ، رحمه الله تعالى في : " الأدب المفرد " : حدثنا موسى بن إسماعيل - يعني بذلك : التبوذكي - قال حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه قال : " ما كان شخص أحب إليهم رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه ، ولما يعلمون من كراهيته لذلك " . إسناده صحيح على شرط مسلم . وقد رواه الإمام أحمد ، والترمذي ، وقال : " هذا حديث حسن ، صحيح غريب " ، وبوب الترمذي على هذا الحديث وعلى حديث معاوية ، رضي الله عنه بقوله : " باب كراهة قيام الرجل للرجل " . وقال أبو داود في " السنن " : حدثنا موسى بن إسماعيل - يعني بذلك : التبوذكي - حدثنا حماد - يعني : ابن سلمة - عن حبيب بن الشهيد ، عن أبي مجلز ، قال : خرج معاوية ، رضي الله عنه ، على ابن الزبير ، وابن عامر ، فقام ابن عامر ، وجلس ابن الزبير ، فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار " . إسناده صحيح ، على شرط مسلم . وقد رواه الترمذي في : " الجامع " فقال : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا قبيصة - يعني بذلك : ابن عقبة - حدثنا سفيان - يعني : الثوري - عن حبيب بن الشهيد ، عن أبي مجلز ، قال : خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه . فقال : اجلسا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن يتمثل له الرجال قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار " . قال الترمذي : " وهذا حديث حسن " . ثم رواه الترمذي عن هناد ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن أبي مجلز ، عن معاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، وهذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين ، وقد رواه الإمام أحمد في : " المسند " من طرق ، عن حبيب بن الشهيد ، وأسانيده كلها صحيحة . قال البخاري ، رحمه الله تعالى ، في : " الأدب المفرد " : " باب قيام الرجل للرجل تعظيماً " حدثنا آدم ابن أبي إياس قال : حدثنا شعبة ، وحدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا حبيب بن الشهيد ، قال : سمعت أبا مجلز يقول : إن معاوية ، رضي الله عنه خرج وعبد الله بن عامر وعبد الله بن الزبير قعود ، فقام ابن عامر ، وقعد ابن الزبير - وكان أرزنهما - فقال معاوية ، رضي الله عنه : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من سره أن يمثل له عباد الله قياماً ، فليتبوأ بيتاً في النار " . إسناداه صحيحان على شرط الإمام مسلم . قال ابن الأثير ، رحمه الله تعالى شارحاً : " أي يقومون له قياماً وهو جالس ، يقال مثل الرجل يمثل مثولاً ، إذا انتصب قائماً ، وإنما نهى عنه ، لأنه من زي الأعاجم ، ولأن الباعث عليه الكبر ، وإذلال الناس " . قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية ، رحمه الله تعالى ، في شرحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً ، وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً ، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها " ... ثم قال ، رحمه الله تعالى ، في هذا الحديث : " أنه أمرهم بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة ، وعلل ذلك بأن قيام المأمومين مع قعود الإمام ، يشبه فعل فارس والروم بعظمائهم في قيامهم وهم قعود . ومعلوم : أن المأموم إنما نوى أن يقوم لله لا لإمامه ، وهذا تشديد عظيم ، في النهي عن القيام للرجل القاعد ، ونهي أيضاً عما يُشبه ذلك ، وإن لم يقصد به ذلك . وفي هذا الحديث أيضاً : نهي عما يُشبه فعل فارس والروم ، وإن كانت نيتنا غير نيتهم ، لقوله : : " فلا تفعلوا " فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم في مجرد الصورة غاية " . وقال النووي ، رحمه الله تعالى : " فيه : النهي عن قيام الغلمان ، والتباع على رأس متبوعهم الجالس لغير حاجة ، وأما القيام للداخل : إذا كان من أهل الفضل والخير ، فليس من هذا ، بل هو جائز ، قد جاءت به أحاديث ، وأطبق عليه السلف والخلف " . قال فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان ، حفظه الله تعالى في خطبته له بعنوان : " مشروعية السلام وفوائده : قال وفقه الله : " وأما القيام من أجل احترام الشخص لا من أجل السلام عليه ، كما يقام للعظماء حتى يجلسوا ، وكما يأمر بعض المدرسين الطلاب أن يقوموا له إذا دخل الفصل ، أو إذا جاء زائر للفصل قاموا له ، فهذا لا يجوز . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله تعالى : لم تكن عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام كما يفعله كثير من الناس ، بل قد قال أنس بن مالك : " لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله علسه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له من كراهته صلى الله علسه وسلم لذلك " . وربما قاموا لقادم من مغيبه تلقيا له كما روي عن النبي صلى الله علسه وسلم أنه قام لعكرمة بن أبي جهل ، رضي الله عنه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار لما قدم سعد بن معاذ ، رضي الله عنه : " قوموا إلى سيدكم " . والذي ينبغي للناس أن يعتادوا أتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله صلى الله علسه وسلم فإنهم خير القرون ، فلا يعدل أحد عن هدي خير الورى وخير القرون إلى ما هو دونه ، وينبغي للمطاع ألا يقر ذلك مع أصحابه بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد . وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له فحسن ، قال : وليس هذا هو القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : " من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار " . فإن ذلك أن يقوموا وهو قاعد ، ليس هو أن يقوموا لمجيئة إذا جاء ، ولهذا فرقوا بين أن يقال : قمت إليه ، وقمت له ، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد ، ولقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم قاعداً في مرضه وصلوا قياما أمره بالقعود ، وقال : " لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضهم بعضاً " ، وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد لئلا يتشبه بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود " . وأخرج أبو يعلي والترمذي عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه قوله : " لم يكن شخص أحب إليهم – يعني : الصحابة الكرام - من النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له من كراهته صلى الله علسه وسلم لذلك " . هذا مع ما في القيام من معاونة للشيطان على المقام له ، ونبينا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : " لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم " . إذ يحتمل أن يدفع المرء القيام لحبه ، وذلك يوجب له النار والعياذ بالله كما سبق نصه . ومن كره القيام لنفسه ، وحب أن يكرهه لأخيه عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لآخيه ما يحب لنفسه من الخير " . وإعطاء القيام الداخل صفة الاحترام ، فيه نسبة الصحابة الكرام إلى عدم احترامهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث ثبت عدم قيامهم له مع شرفه ومكانته وفضله واصطفاء الله له بالرسالة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم . وحاشاهم ذلك ، ومن يجرؤ أن ينكر حبهم وحرصهم على طاعته وتعظيمهم له صلى الله عليه وسلم إلا من كان بقلبه مرض ، أو استند على عقيدة فرخت من عقائد اليهود والنصارى كأحوال الرافضة السبئية ، وغيرهم من الملل والنحل الباطلة التي ما أنحرفت عن الهدي إلا بكرههم لصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم . والقيام للبعض دون البعض طبقية حرمها الشرع بشتى طرقها وأشكالها ، ولذلك كان أصحابهم رضي الله عنهم يمشون أمامه ويقول : " خلوا ظهري للملائكة " . رواه الإمام أحمد وكان يجلس حيث انتهى به المجلس ، وكان صلى الله عليه وسلم يدير الشراب من اليمين ، ويأمر باليمين في كل شيء ، وكان لا يعرف بمجلس ولا بزي ، فيدخل السائل فيقول : أيكم محمد ؟ فإلى أخلاق هذا النبي الكريم أيها المؤمنون والمؤمنات ، فإنه أكرم قدوة ، وأحسن أسوة . هذا ما أحببنا جمعه وبيانه ونشره ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .[/color]
| |
|
زيزفونة
عدد المساهمات : 7 تاريخ التسجيل : 09/01/2012
| موضوع: رد: اداب مجالس المسلمين الخميس يناير 12, 2012 9:34 am | |
| جزاكي الله خير غاليتي على الطرح المميز والجميل
وجعله بميزان حسناتك بانتظار جديدك | |
|